«2019» اليوبيل الفضي للعلاقات القطرية ـــ الطاجيكية
حوار- محمد حربي
لنبدأ من احتفالاتكم باليوم الوطني لجمهورية طاجيكستان، ودعنا نسألكم عما تعنيه هذه المناسبة الوطنية، وما الشيء الذي تحرصون على غرسه في الأجيال الطاجيكية الجديدة؟
– بشكل رسمي حصلت طاجيكستان على استقلالها في التاسع من سبتمبر عام 1991، والذي هو مبعث فخر واعتزاز للشعب الطاجيكي، إلا أن هذا لا يمنع من التأكيد على عراقة تاريخ بلادنا الحافل والغني بالثقافة، وكما هو الحال بالنسبة لجميع الشعوب فإن يوم الاستقلال هو فرصة انطلاق جديدة، وبناء وتنمية للدولة الحديثة، والمتطورة، وشعبنا بدوره يستحضر في هذا اليوم الخالد مآثر الأمجاد، وتجديد العهد على مواصلة طريق النهضة، والنمو، والتقدم، جيلاً بعد جيل، كما منحنا فرصة لبناء شبكة من العلاقات الدبلوماسية، والسياسية، والاقتصادية، والتجارية مع العديد من دول العالم، وما نحرص على غرسه في أجيالنا الجدية، هي فهم معنى الاستقلال، والسيادة، عبر حب الوطن، واحترام رموزه الوطنية.
الاستقلال والبناء
نود منكم أن ترسموا لنا صورة للمشهد الطاجيكي خلال مرحلة الاستقلال؟
– بالتأكيد كانت فترة عصيبة، بذل فيها الشعب الطاجيكي الغالي والنفيس، من أجل الحصول على استقلالهم، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، لا سيما ما واكب هذه الفترة من عملية تجاذبات، خاصة من بعض الأجنحة التي لديها ميول للاتحاد السوفياتي، وكانت تراهن على إمكانية إعادة إحياء الدور السوفياتي من جديد، مما تسبب في نشوب حرب أهلية طاجيكية، استمرت لمدة خمس سنوات، تضررت فيها البلاد، وأصابها الدمار، سواء على مستوى البنية الاجتماعية، أو الاقتصادية، وتعثرت مسيرة التنمية، وتراجعت معدلات النمو، كما أدت إلى هجرة مليون طاجيكي، وبعد التفاف الشعب حول قيادته الجديدة، وأول رئيس للجمهورية إمام علي رحمن، الذي أسدل الستار على الحرب الأهلية، وعبر بقافلة الوطن إلى شاطئ الأمان، وقام ببناء الدولة الحديثة.
إلى أي مدى كانت هناك أيادٍ خارجية تحرك هذه الحرب الأهلية، وكيف كان رد الفعل الطاجيكي؟
– لا ننكر أنه كانت هناك أيادٍ خارجية تغذي الحرب الأهلية في طاجيكستان، وخاصة في التمويل الأجنبي لحزب النهضة المحظور ببلادنا، إلا أنه بحكمة وإدراك شعب الطاجيك لصعوبة المرحلة، وإيمانه بقيمة أمته، تكاتفت جهود الجميع قيادة وشعباً، من أجل وقف هذه الحرب الأهلية، وقطع الإمدادات الخارجية عن الحركات الداخلية، وإزالة كافة معوقات الوحدة والاستقرار، وفي النهاية تنفس كل الشعب الصعداء، وبدؤوا يتجهون للبناء والتعمير، والتنمية، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية لبلادهم.
أهداف إستراتيجية
ما هي هذه الأهداف الاستراتيجية؟
– هي ثلاثة أهداف استراتيجية رسمها الشعب الطاجيكي لنفسه، منها اثنان تم تحقيقهما، وهما: النجاح الذي تحقق في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، ببناء ثلاث محطات كبيرة، ومنها محطة للطاقة المائية سيتم افتتاحها في شهر نوفمبر المقبل، بطاقة «6» آلاف ميجاوات، التي ستقوم بتغذية المنطقة المحيطة بطاجيكستان كلها، ثم تحقيق وتوفير الأمن الغذائي، ثم الهدف الثالث، وهو المهم جدا، إذا إنه بسبب خصوصية الموقع الجغرافي لدولة طاجيكستان، التي هي تعد دولة حبيسة، حيث لا يوجد لديها أي منافذ بحرية، كما أن الطبيعة الجغرافية لها جبلية، لذا عملنا على زيادة شبكة النقل والمواصلات بين كافة المناطق، قمنا ببناء شبكات الطرق، والسكك الحديد، وكافة هذه الأهداف، إنما هي تسعى لتساير أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2030، التي وضعتها الأمم المتحدة.
ما الشيء الذي سوف تسهم به طاجيكستان في خدمة أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030؟
– طاجيكستان تعمل على توفير الماء من اجل التنمية، حيث تمتلك بلادنا أكبر مخزون من المياه العذبة، وبلدنا رائدة في ابتكارات توفير وتأمين الماء النقي، لأجل التنمية المستدامة، وهنا نشير إلى الدور الحيوي لدولة قطر كشريك لنا في تطوير الابتكار.
الأيادي القطرية
على ذكركم لدولة قطر وشراكتها معكم، نود التعرف على طبيعة العلاقات القطرية الطاجيكية؟
– قطر أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع طاجيكستان، لم يكن يمضي على إعلان الاستقلال في عام 1991 سوى ثلاث سنوات تقريبا، حتى أقامت قطر في عام 1994 علاقاتها الدبلوماسية مع طاجيكستان، والعام القادم سوف نحتفل بمرور ربع قرن اليوبيل الفضي، ومن أبرز السمات التي تميز خصوصية العلاقات القطرية الطاجيكستانية هي الاحترام المتبادل، والقيم المشتركة، والتفاهمات الكبيرة بشأن كثير من الملفات ذات الاهتمام المشترك على مستوى التعاون الثنائي، وإزاء القضايا الدولية والإقليمية، وإن كان الصلات لها جذورها التاريخية بين العرب والطاجيك، إلا أن دولة قطر كانت أول دولة عربية، تقيم علاقات دبلوماسية، ومنذ هذه اللحظة، وكان هناك تبادل للزيارات على مختلف المستويات، وأهمها زيارتي صاحب السمو الأمير الوالد دوشنبه، وفخامة الرئيس الطاجيكي للدوحة، وهاتان الزيارتان فتحتا مرحلة جديدة لبناء العلاقات الوثيقة والصداقة وتبادل المنافع، إذ في عام 2012 افتتاح السفارتين، وكان لها دور اكثر تأثيرا في تعزيز آفاق التعاون، وأصبحت قطر شريكاً استراتيجياً لنا عالمياً، كما أن قطر وطاجيكستان تتفقان في وجهات النظر بشأن كيفية حل القضايا الشائكة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وقطر شريكنا في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، كما كانت قطر شريكنا في التعاون في إقامة مؤتمر رفيع المستوى حول مكافحة الإرهاب والتطرف، وكان هو أول تعاون قطري طاجيكي، بمشاركة 1000، برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ونظمنا فعالية في مايو الماضي، نحن نقدر دور قطر، التي تعتبر الدولة الأولى عربياً من حيث قيمة الاستثمارات في طاجيكستان، ولعل مشروع ديار قطر دوشنبه في العاصمة من أجمل الأماكن، وهو عبارة عن مجموعة سكنية، كما تمت إقامة أكبر مسجد إسلامي في العاصمة الطاجيكية يتسع لـ120 ألفاً من المصلين بتمويل من دولة قطر، وسيتم افتتاحه العام القادم خلال الاحتفال باليوبيل الفضي للعلاقات القطرية الطاجيكية، ونأمل أن يفتتحه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى– حفظه الله-.
الحصار مرفوض
لننطلق معكم من العلاقات الطيبة بين البلدين.. لنسألكم عن موقف طاجيكستان من الحصار الجائر المفروض على دولة قطر؟
– نحن نستشعر الأسف الشديد لما جرى، ويجري من تداعيات، انعكست سلباً على المنطقة والإقليم، بل والساحة الدولية بسبب هذا الحصار، لأننا مسلمون، والعرب عندهم مبادئ، خاصة التعامل عند الخصومة، وفي اعتقادنا أن افضل وسيلة لحل الخلافات هي الحوار، والدبلوماسية الناجحة هي التي تسير على نهج الحكمة، ونزع فتيل الأزمات بالمفاوضات، والبحث عن القواسم المشتركة، ودائما هو أقصر الطرق للتفاهمات عند الخلافات، فما بالنا حينما يكون هذا بين دول الخليج، وبينهم من العلاقات الكثير، ونتطلع أن نرى في القريب العاجل إلى لم الشمل الخليجي، ونشهد طي صفحة هذه الأزمة، كما أننا على ثقة أن الخليجيين سوف يغلبون مبادئ الأخوة، والجوار، والتعايش، من أجل إنهاء هذه الأزمة، خاصة في ظل الجهود التي تبذلها دولة الكويت، وسمو أمير الكويت، ونحث جميع أصدقاء الخليج دعم ومساندة كافة جهود المصالحة، ونتمنى أن يتم حل المشكلة داخل الأسرة الخليجية.
مشروعات عملاقة
حدثنا عن المشروعات العملاقة ببلدكم والطاقة، والمساهمات القطرية؟
– في بداية هذا العام قامت شركة نبراس للطاقة القطرية بزيارة إلى طاجيكستان، وكانت هناك مباحثات ومناقشات بشأن عدد من الاتفاقيات، وبروتوكولات التعاون لتنفيذ المشروعات، وبناء المحطات، ونأمل في القريب العاجل نشهد تطورات للتعاون في هذا المجال.
ما الذي يمكن أن تسهم به قطر في هذا المجال؟
– هناك تطابق بين رؤيتي القيادتين الحكيمتين بشأن تطوير العالم الإسلامي، والتطور الاقتصادي وتأمين الطاقة الذي يؤثر على الحياة الاجتماعية، ونحن نقدر جهود دولة قطر للمساهمة في المجتمعات الإسلامية، وبذل عناية من جانب قطر للدعم والتنمية الاقتصادية في طاجيكستان، ولا ننسى ما للطاقة من دور في تطوير كافة القطاعات الأخرى، فالطاقة هي مصدر للتنمية الاقتصادية، وطاجيكستان، غنية بالموارد المائية، وبالإمكان إصدار الطاقة النظيفة والرخيصة للدول الأخرى، كما يسهم بناء المحطات للطاقة في طاجيكستان على الاستقرار في أفغانستان، لأنها تؤدي إلى التنمية، كما أن الفرص ضخمة للتعاون الاقتصادي، وطاجيكستان مهتمة بتنمية العلاقات الإقليمية، من خلال شبكة وسائل نقل كبيرة ودعم قطر لتنمية جمهورية طاجيكستان، يسهم في تنمية المنطقة المحيطة بالطاجيك من كل جانب، خاصة استقرار الأمن في أفغانستان، بعد أن تحولت لمصدر تهديد للأمن بالمنطقة.
كيف يمكن تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين؟
– للجنة المشتركة في تطوير التعاون بين البلدين، دور رائد في شتى المجالات، لها أنشطة ملحوظة، والجلسة الثالثة بين الجانبين، انعقدت منذ فترة قليلة بين قطر وطاجيكستان في العاصمة دوشنبه، وفي الجلسة الأخيرة اتفقنا على افتتاح الخط المباشر بين العاصمتين بما يخدم مصالح الطرفين، حيث إن افتتاح الخط المباشر يطور العلاقات السياحية والتجارية والاستثمارية، كما اتفقنا على إعطاء أهمية أكبر للتبادل التجاري، وتأسيس منتدى رجال الأعمال القطري الطاجيكي، وصندوق مشترك للاستثمار لخدمة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، كما اتفقنا على شراكات قوية في المجال الصناعي، والزراعي.
طاجيكستان قادرة على تزويد السوق القطري بأجود أنواع المنتجات الزراعية، وغداً سيشارك وفد برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة الطاجيكي في معرض المنتجات الوطني بالدوحة.
إلغاء التأشيرة
متى يتم رفع التأشيرة بين البلدين؟
– بداية لا توجد هناك أي تعقيدات في منحها للقطريين، وهي ميسرة وبسيطة، بل وبإمكان المواطنين القطريين، الحصول على التأشيرة من مطار دوشنبه بشكل مباشر، وقد اقترحنا إلغاء التأشيرة للمواطنين بين البلدين، وهو مقترح تحت الدراسة حالياً، وهذا مرتبط بضرورة فتح الخط المباشر.
ما هو حجم التبادل الجاري بين الجانبين؟
– يوجد، ولكنه دون المستوى المنشود، وهذا يرجع إلى عدم وجود خطوط جوية مباشرة بين الجانبين، ونقل المنتجات بين الجانبين إلى أسواق بعضهما البعض، وربما سيتغير حجم التبادل التجاري، حيث هناك فرص كبيرة لإصدار المنتجات الطاجيكية لتصديرها إلى دولة قطر، التي يحتاجها السوق القطري، ولذلك نقول إنه في الوقت الراهن فإن حجم التبادل لا يرتقي لمستوى العلاقات الطيبة، نبحث افضل السبل لتعزيز العلاقات والتبادل التجاري.
ماذا عن الضمانات الممنوحة للمستثمرين؟
– هناك قوانين لحماية المستثمر، وللمستثمرين نفس حقوق المستثمر الطاجيكي، وتم إصدار قوانين وضمانات متطورة، على قدم وساق ما تمنحه الدول المتقدمة، وندعو المستثمر القطري، للاستفادة من المزايا في طاجيكستان، ليس فقط في التسهيلات والحوافز المادية التي تمنحها الحكومة للمستثمرين، بل في الثقافة الشعبية الطاجيكية، التي تتواءم، وتتقارب مع الروح العربية الشرقية مما يجعله وكأنه يعيش في بلد، وبلادنا مفتوحة في كافة الاتجاهات والمجالات، وأمام جميع المستثمرين القطريين والعرب عامة، وقد يكون حان الوقت لإعادة إحياء الروابط العربية الطاجيكية القديمة، التي تمتد نحو ألفي عام في أعماق التاريخ، وتعزيز هذه الروابط الاجتماعية بزيادة حجم المبادلات التجارية والاستثمارية، والمستثمر القطري حينما يستثمر في طاجيكستان، إنما هو يستثمر في إعادة إحياء الصلات التاريخية بين الجانبين، ومع الشعب الطاجيكي، وشعب آسيا الوسطى.
كيف تقيمون تجربة النهضة القطرية؟
– هي تبعث على الفخر، وما حققته قطر من تنمية اقتصادية واجتماعية، وملهمة للشعوب الأخرى، الذين يستلهمون منها انطلاقاتهم نحو البناء والتقدم، والتطور، ولدى القيادة القطرية رؤية واضحة في التنمية، التي تقوم فلسفتها بشكل رئيسي على بناء وتنمية قدرات الأفراد، فهي تنمية تهتم ببناء الإنسان، باعتباره هو محور أي خطة للنهضة والتنمية في أي مجتمع والشعب القطري طموح وسوف ينجح في تحقيق أهداف ورؤية 2030.
ماذا يعني لكم استضافة قطر كأس العالم 2022؟
– هي شهادة عالمية بإمكانيات وقدرات المواطن القطري، وما يملكه من مقومات، وتبرز تقديراً واحتراماً عالمياً لقطر بمنحها الثقة في تنظيم كأس العالم 2022، وهي فرصة لتقديم الوجه الحضاري للمنطقة التي هي مهد الثقافة الإسلامية والعربية، وهو مبعث فخر إسلامي وعربي، ونحن لن ندخر جهداً في دعم ومساندة القطريين في تنظيم هذا الحدث، لأن المجتمعات البعيدة عن العالم الإسلامي سوف تحضر للتعرف على المنطقة الإسلامية والعربية، وكأس العالم سيحيي الدور الذي كان دائماً يلعبه العالم الاسمي والعربي تاريخياً، وقطر سوف تنجح في ذلك، وسوف يقدم الوجه المشرق للعالم الإسلامي والعربي، الذي أصابته بعض شوائب المؤامرات الخبيثة، التي حاولت التشكيك فيه، وتحميله مسؤولية ما أصاب العالم من إرهاب وعنف وتطرف، فيأتي العالم ليتعرف بنفسه.