الكلمة في جامعة القاهرة

 

معالي الوزير الدكتور خالد عبد الغفار،

معالي الدكتور محمد عثمان الخُشت!

الأساتذة والطلبة الأعزاء!

الحضور الكرام!

بداية، أود أن أعرب عن خالص امتناني للمجلس العلمي والتربوي بجامعة القاهرة لمنحني درجة الدكتوراة الفخرية.

وإن حصولي على هذا اللقب الرفيع من هذا الصرح العلمي والتعليمي يبعثني على الفخر والاعتزاز.

تعد جامعة القاهرة في طليعة المؤسسات التعليمية والبحثية في مصر وتلعب دورًا مهمًا في تدريب المتخصصين والعلماء المؤهلين تأهيلاً عالياً.

إلى جانب الأنشطة التعليمية والبحثية المكثفة، قدمت هذه المؤسسة للتعليم العالي مساهمة قيمة في إنشاء مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث المصرية الأخرى وتطوير نظام العلم والتعليم الحديث في البلاد.

وتتميز أنشطة الجامعة بالجمع بين الأساليب الأساسية للمدارس الكلاسيكية مع أحدث الاتجاهات في التعليم العالي الحديث.

لهذا السبب أصبحت جامعة القاهرة تحظى بشهرة كبيرة ليس فقط في مصر، بل في المنطقة والعالم أيضا.

ويمكن لهذا الصرح العظيم للعلم والتعليم، بالطبع، أن يفخر بالعديد من طلابه ، الذين هم شخصيات معروفة ومرموقة في مصر ودول أخرى ، بما في ذلك خريجيها الثلاثة الحائزين على جائزة نوبل.

الأصدقاء الأعزاء!

إن طاجيكستان ومصر دولتان متحضرتان لهما تاريخ قديم وثقافة ثرية.

فمن هذا المنطلق فإن شعبينا لهما علاقات صداقة وتقاليد تاريخية غنية.

منذ العصور الغابرة، كانت الأرض الطاجيكية تقع على مفترق طريق الحرير ، وبدأ طريق لازورد في جبال طاجيكستان الشاهقة.

تظهر الأبحاث الأثرية أن لازورد “بدخشان” والأحجار الكريمة وأحجار الزينة الأخرى كانت تنقل من أراضي طاجيكستان الحالية إلى بلاد فارس وبابل ومصر القديمة واليونان.

تشهد هذه الكلمات على حقيقة أن العلاقات التجارية لأسلافنا لها تاريخ يمتد لآلاف السنين ويجب علينا أن نقوم بإثرائها بمحتوى جديد.

وتحقيقا لهذه الغاية، يمكننا إقامة وتوسيع التعاون متبادل المنفعة على أساس التقاليد المشهودة لأسلافنا وعلى أساس الإنجازات العلمية والتقنية الحديثة.

الأصدقاء الأعزاء!

إن الأسلاف العظماء للشعب الطاجيكي ومنطقة آسيا الوسطى قد تركوا إرثًا علميًا قيمًا للعالم.

وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نستذكر أسماء مشرقة مثل أبي علي بن سينا وأبي ريحان البيروني وأبو نصر الفارابي ومحمد الخوارزمي وأسماء أخرى كثيرة.

و في العلوم الإسلامية أيضاً، لا حاجة إلى إشهار إسهامات أجدادنا العظماء، بمن فيهم الإمام أبو حنيفة والإمام البخاري والإمام الترمذي.

لقد جاء بعض عظماءنا إلى مصر على مرّ مئات السنين الماضية، وعاشوا وعملوا هنا لسنوات عديدة وكتبوا أعمالهم.

إن الشاعر والمفكر الطاجيكي الكبير ناصر خسرو الذي عاش في القرن الحادي عشر، قد أشاد في كتابه “سفرنامه” بأهل مصر، واصفاً على سبيل المثال بمهاراتهم العالية في البستنة والزراعة:

“… إذا أراد أي شخص بناء بستان في مصر، يمكنه فعل ذلك في أي موسم من السنة. .. لقد زرعوا الأشجار في السطل … وكلما أرادوا خلعوها وزرعوها في الأرض حتى إن الشجرة لا تحس بذلك”.

ومن خلال هذا التذكير أود أن أؤكد على أهمية تعزيز وتوسيع العلاقات العلمية والتعليمية بين طاجيكستان ومصر.

ومن المعروف أن الروابط العلمية والتعليمية تساهم في تنمية الصداقة والتفاهم المتبادل بين الشعوب.

وفي هذا الصدد، اكتسبت المعرفة والعلوم في القرن الحادي والعشرين محتوى فريدًا وأصبحت قوة دافعة لأي مجتمع.

هذه الفكرة تكتسب فحوى عميقاً خاصة في عصرنا، وهو فترة العولمة والتطور العلمي والتكنولوجي غير المسبوق والتطور الاجتماعي والاقتصادي المتجذر.

وفي هذا السياق، من الضروري للعلماء والباحثين والمتخصصين في مختلف مجالات العلوم والتعليم بذل جهود متواصلة للحد من خلافات العالم الحديث وتقريب شعوبه بعضها من بعض.

وتعتبر الدراسة المشتركة لأعمال علماء الآثار الطاجيك والمصريين والنقاد الأدبيين، والبحث عن المخطوطات النادرة للمؤرخين والعلماء والكتاب الطاجيك والعرب ودراستها، مهمة للغاية لزيادة تطوير التعاون بين بلدينا في المجال الإنساني.

كما أننا ندرك الإنجازات المتميزة للمصريين في مختلف مجالات العلوم ، وخاصة علم الآثار والتعليم والثقافة والصحة والعديد من المجالات الأخرى.

وفي هذا الصدد، فإن تعاون العلماء الطاجيك والمصريين في دراسة وبحث القضايا المتعلقة بتنمية مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا أمر مطلوب.

الأصدقاء الأعزاء!

الجدير بالذكر أن طاجيكستان معروفة في العالم بأنها داعية للسلام والتسوية السلمية لجميع النزاعات بخبرتها الفريدة في صناعة السلام.

لقد واجهت بلادنا في السنوات الأولى لاستقلالها العديد من الصعوبات والتحديات.

وفي التسعينيات من القرن الماضي، وقعت طاجيكستان من جراء مؤامرات القوى المتطرفة الداخلية وأسيادها الأجانب في دوامة الصراعات السياسية الشديدة من ثم في نيران الحرب الأهلية المفروضة.

لقد خلف الصراع المسلح، الذي استمر قرابة خمس سنوات حتى عام 1998 أضراراً مادية وبشرية جسيمة.

وقد أودت الحرب الأهلية المفروضة بحياة أكثر من 150 ألف شخص وألحقت أضرارًا مادية باقتصاد البلاد بأكثر من عشرة مليارات من الدولار، فضلاً عم لجوء أكثر من مليون مدني إلى خارج البلاد.

أصيبت ركائز الدولة وهياكلها بالشلل، وسادت الفوضى والانفلات الأمني ​​في البلاد.

وإن الجماعات المسلحة غير الشرعية المتعددة من خلال استخدام أساليب متطرفة من العنف والقتل وأخذ الرهائن والتخويف أحدثت خطر القضاء على الشعب الطاجيكي وتدمير الدولة الطاجيكية الفتية.

وفي ذلك الوقت، نحن عشنا الأحداث المأساوية التي تحدث اليوم في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وغيرها من “المراكز الملتهبة” الأخرى في العالم.

لذلك، منذ الأيام الأولى من عملي كرئيس للدولة، كانت المهمة الأكثر أهمية بالنسبة لي هي إخماد نيران الحرب في أسرع وقت ممكن ، وبدء عملية السلام ، وإعادة اللاجئين إلى الوطن، وتحقيق استقرار الوضع في البلاد.

بجهود كبيرة، وعلى وجه الخصوص، بفضل الحكمة والحنكة والوعي العالي لشعب طاجيكستان المجيد، الذي دعم بصدق جهود الحكومة لتحقيق السلام تمكنا من الحفاظ على وحدة أراضي البلاد وتحقيق الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية.

وفي هذا السياق، تمكنا من تجاوز فترة الإعمال ما بعد الحرب في فترة زمنية قصيرة ووضع اقتصاد البلاد على طريق التنمية المستدامة.

وخلال الفترة الماضية، اتخذنا تدابير فعالة لتحقيق أهدافنا الاستراتيجية – تحقيق الاكتفاء الذاتي في الطاقة والخروج من عزلة الاتصالات وحماية الأمن الغذائي، وحافظنا على معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي ​​بنسبة سبعة بالمائة بشكل متوسط.

تسعى طاجيكستان اليوم جاهدة لتحقيق هدفها الاستراتيجي الرابع – التطوير الصناعي السريع للبلد وتتعاون مع شركائها الدوليين في هذا المجال.

لقد تمكنت بلادنا على مدى 30 عامًا من استقلالها من إقامة علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف مع دول في مناطق مختلفة من العالم والمنظمات الدولية والإقليمية، وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.

خلال الفترة القصيرة من تاريخها الحديث تم الاعتراف بطاجيكستان كعضو كامل الحقوق في المجتمع الدولي وأقامت علاقات التعاون المتميزة والمثمرة مع أغلبية الدول في العالم.

إن طاجيكستان تقيم اليوم علاقات دبلوماسية مع 180 دولة، وهي عضو كامل ونشط في الأمم المتحدة، وعشرات المنظمات العالمية والإقليمية المؤثرة، فضلاً عن المؤسسات المالية الدولية ولديها علاقات اقتصادية متبادلة المنفعة مع 110 دولة.

وإننا من على منصات المنظمات الدولية والإقليمية، نوصل إلى عناية المجتمع الدولي مبادراتنا البناءة الرامية إلى تسوية المشاكل العالمية والإقليمية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالمياه، وتغير المناخ ، ومكافحة الإرهاب ، والتطرف ، وتهريب الأسلحة والمخدرات ، والجرائم الإلكترونية والجرائم المنظمة العابرة للحدود.

على وجه الخصوص إنّ سلسلة من مبادرات طاجيكستان لحل مشاكل المياه في العالم قدمت لطاجيكستان مكانة خاصة على الساحة الدولية.

والمبادرة الرابعة لطاجيكستان وهي العقد الدولي للعمل “الماء من أجل التنمية المستدامة 2018-2028” يتم تنفيذها اليوم على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية.

إن قضية تغير المناخ العالمي والحاجة إلى بذل جهود مشتركة لمعالجة عواقبه باعتباره مشكلة خطيرة في عصرنا تحظى باهتمام خاص لبلدنا.

وفي هذا الصدد، ندعم مبادرات دولة مصر الصديقة في منع الاحتباس الحراري، بما في ذلك جدول أعمال مؤتمر تغير المناخ، المزمع انعقاده في نوفمبر بشرم الشيخ.

وإن طاجيكستان التي تشكل الجبال 93 في المائة من مساحتها، ليست مستثناة من الآثار السلبية لتغير المناخ، حيث تم اندثار ألف نهر جليدي بالكامل من أصل 14000 نهر جليدي حتى الآن.

في هذا الصدد، تعمل طاجيكستان مع شركائها الدوليين على إعلان سنة 2025 كالسنة الدولية لحماية الأنهار الجليدية، وتحديد اليوم العالمي للأنهار الجليدية وإنشاء الصندوق الدولي لحماية الأنهار الجليدية.

ينتج بلدنا 98٪ من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة من “الطاقة الخضراء”، أي بشكل أساسي باستخدام موارد المياه ، ووفقًا لهذا المؤشر فهو سادس دولة رائدة على هذا الكوكب. كما أن طاجيكستان من حيث انخفاض مستوى انبعاثات الغازات الدفيئة تحتل مكانة رائدة في العالم وهي تعهدت طواعية بالحفاظ على حجمها عند مستوى التسعينيات من القرن الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج واستخدام “الطاقة الخضراء”، نظراً لإمكانياتنا الهائلة للطاقة المائية، إلى جانب وفرة مياه الشرب وملح الطعام، يعد أحد المزايا التنافسية للاقتصاد الطاجيكي.

الحضور الكريم!

يواجه المجتمع الدولي بأسره اليوم تهديدات أمنية غير مسبوقة.

والملايين من الناس في مختلف أنحاء العالم يواجهون مخاطر الحروب والصراعات، بينما يبعث الإرهاب والتطرف كظواهر مدمرة على عواقب سياسية واجتماعية وأخلاقية سلبية.

لقد باتت أنشطة المنظمات الإرهابية والمتطرفة على المستوى العالمي ظاهرة عابرة للحدود وتنتشر في جميع دول العالم تقريبًا.

وفي الوقت الراهن يزعزع الإرهاب الدولي والتطرف أسس الأمن الدولي ويسببان عدم الاستقرار في مختلف أنحاء العالم.

إن منطقة آسيا الوسطى ليست في منأى من التهديدات العالمية، وطاجيكستان بحكم موقعها الجغرافي تأتي في طليعة مواجهة هذه التهديدات.

ففي مثل هذه الظروف، فإن ضمان الأمن والاستقرار الوطني في المنطقة هو أحد أولوياتنا القصوى.

إن أمن بلدان آسيا الوسطى، قبل كل شيء، له ارتباط جذري بالوضع في أفغانستان بضمان السلام والاستقرار في هذا البلد المجاور وخلق الظروف المواتية لتنميته الآمنة.

ولا يزال الوضع في أفغانستان، للأسف، معقد ومتناقض ومرشح لمزيد من التوترات.

هذا في حين أن طاجيكستان لها حدود مشتركة مع أفغانستان يبلغ طولها 1400 كيلومتر.

وإن تنامي أنشطة الجماعات الإرهابية والمتطرفة المتعددة في أفغانستان يبعث على زيادة التهديدات الأمنية في المنطقة.

وفي السياق الأمني من منطلق الأهداف والمقاصد المشتركة الموجودة أمامنا، من الأهمية بمكان تعزيز التعاون وتبادل المعلومات والخبرات بين طاجيكستان ومصر في مكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود، التي تتفق مواقف البلدين تجاهها.

يجب علينا أن نعمل معا لحماية بلادنا والعالم الإسلامي من مخاطر الإرهاب والتطرف، وألا نسمح بتشويه صورة الإسلام.

وفي هذا السياق نحن نرحب بالمبادرة الهامة التي أطلقها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية حول الحوار الديني.

وفي هذا الصدد فإنه تزداد محورية دور الأزهر الشريف كمنارة للإسلام الوسطي ومواجهة التطرف الديني وتعزيز قيم الود والرحمة في ممارسة الأمور الدينية.

الحضور الكرام!

إن طاجيكستان انطلاقاً من سياسة الانفتاح تمضي قدماً في تعزيز وتنمية علاقاتها مع البلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك العالم العربي.

ومما يبعثنا على الارتياح أن جمهورية مصر العربية تأتي اليوم في مصاف الشركاء الخيرين والمعتمدين لطاجيكستان.

وإن عملية توسيع العلاقات الثنائية مع مصر تمثل أحد الاتجاهات المهمة لسياسة طاجيكستان الخارجية والتي تشهد النمو والتطور باطراد.

وفي العام المقبل سنحتفل بالذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا.

وإني على اليقين أننا سنستقبل هذه المناسبة المباركة في التاريخ الحديث للعلاقات بين بلدينا بإنجازات جديدة.

 قبل لحظات أجرينا محادثات مثمرة مع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية حيث استعرضنا العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها بين البلدين، كما رسمنا آفاقاً جديدة لتنميتها.

وإن مخرجات المباحثات تؤكد على عزمنا القوي على زيادة تطوير التعاون بين بلدينا.

إنني على ثقة من أن التنفيذ المستمر للاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال الزيارة الحالية سيثري العلاقات الودية والتعاون متعدد الأوجه بين طاجيكستان ومصر بمحتوى جديد ويعطيها دفعة جديدة.

فانطلاقاً من ذلك فإننا نعتبر نتائج محادثات القمة بداية مرحلة مهمة في العلاقات بين بلدينا.

وفي ختام كلمتي أود أن أعبر مرة أخرى عن امتناني لمنحي درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة، متمنياً لأعضاء هيئة تدريس وطلاب جامعة القاهرة العريقة كل التوفيق والسداد والإنجازات الحديثة في مسيرتهم الدراسية والعلمية والعملية.

دمتم بمجد وسعادة، أيها الأصدقاء الأعزاء!

شكرا!

National Development Strategy of the Republic of Tajikistan for the period up to 2030

UN Resolution entitled International Decade for Action “Water for Sustainable Development”, 2018-2028

MFA Publications

Hotline for Tajikistan citizens abroad